
الكاتبة والفنانة التشكيلية الفلسطينية فدوى القاسم :
ولدت ككائن فضولي يمتلك أسئلة أكثر ما يمتلك إجابات
حوار / جمال فتحي
تنفتح تجربة الكاتبة والفنانة التشكيلية الفلسطينية فدوى القاسم على الهم الإنساني بكل تجلياته ؛ حيث الحرية والإبداع في معانيهما الواسعة التي تتجاوز "الصناديق" الضيقة على حد وصفها في حوارنا، فرغم انتمائها الأول لفلسطين وتنقلها للحياة والدراسة بانجلترا لتحصل على بكالوريوس الأدب الإنجليزي حتى استقر بها الحال في الخليج وإجادتها التعبير بأكثر من لغة لكنها لم تشغل نفسها أبدا بالبحث عن دائرة ضيقة تنتمي إليها أو هوية محددة تندرج تحتها ؛ فهذا السعي للدخول تحت سقف هوية ما أيا كانت لايخدم الإنسانية كما ترى فدوى، ترسم القاسم وتكتب وتتنقل بين الأدوات والعناصر غير منشغلة أبدا بنحت أسلوب محدد للتعبير الأدبي أو الفني بقدر ما يشغلها كما صرحت اقتناص فرصة التعبير ذاتها متى لاحت لها ، أصدرت فدوى العديد من الأعمال الأدبية منها: رائحة حب الهال، لحظة الخروج من الجنة ( مجموعتان قصصيتان دار شرقيات / مصر)، يوميات كائنات صغيرة ( دار جود/ سوريا) فضلا عن مجموعات فنية منها "مدن.. أفق ورحلة"، و"فوضى الجسد"، ولوحات كولاج وحبر وماء مصغرة "الأنا المعذبة"، وأعمال نسيجية "دفاتر الدفء"، ومجموعات كبيرة من الأعمال المتنوعة تقدمها في دفترها اليومي ولها أيضاالعديد من القصص القصيرة باللغتين العربية والإنجليزية، وبعض قصائد الشعر كتبتها بالإنجليزية، فضلا عن رواية واحدة أكدت لنا أنها مازلت قيد الكتابة.
*عشت بين أكثر من بلد فضلا عن انتمائك الأول وجذورك الفلسطينية ولكل وطن ثقافته وطقوسه فإلى أى الثقافات تشعرين بالقرب والانتماء أكثر؟
كتابي "لحظة الخروج من الجنة" يبدأ بهذه العبارات: "ولدت فإذا بي أنثى، فإذا بي مسلمة، فإذا بي فلسطينية، فإذا بي مغتربة، وافدة، لاجئة، أبحث عن انتماء يقبل بي".
علامات الهوية الثلاث هذه لم أخترها. وأنا هنا لا أصدر أحكاماً عليها، وإنما أضع نصب عيني أنها لم تكن من اختياري، وأنني أجدها ضيقة جداً بحيث لا تخدم ذاتها ولا تخدمني، ولا تخدم الإنسانية.
من رحم هذه المفردات تشكلت معظم أعمالي، ومعظم أيام حياتي. ومن رحم هذه المفردات ولدت ككائن فضولي، لا يمتلك الإجابات، بل الكثير من الأسئلة. وإن وجدت إجابة ما، سرعان ما ألتهمها مع قليلٍ من الملح والبهارات، وأبحث عن غيرها. هذه العبارات تؤثر على حياتي وأعمالي، وتتأثر فيها، وتدفعني لاكتشاف فضاءات أوسع لا تحرمني من انتماءات أوسع وأشمل. ومن رحم هذه المفردات تنبثق فلسفتي، التي لا زلت أعمل عليها وأطورها دوماً: "أنا فني وفنّي أنا" I Am What I Art.
* بعض المبدعين الذين يجمعون بين أكثر من فن يفضلون الانتماء للفن الأكثر تعبيرا عنهم ويعتبر بعضهم أن إبداعه في فنون أخرى أمرا هامشيا ، إلى أي اللقبين تميلين الفنانة التشكيلية أم الكاتبة؟
في المقام الأول أعتبر نفسي إحدى كائنات هذا الكون، وبصراحة سأمضي حياتي كلها في محاولة الهروب من تلك الصناديق الضيقة التي تحشرنا فيها الألقاب والمسميات، بحيث تمنعنا من التجريب والتغيير والتطوير والاجتهاد.. ومن تنقل فؤادنا حيث شئنا من الهوى، فحبي الأول والأخير هو للبحث عن مساحات أكبر من الحرية ، ومن هنا فإن انتمائي للإبداع والحرية. ولا أعتبرهما حقاً، وإنما حاجة وغريزة لا مفرّ منها، وإن يتم كبتها ذاتياً أحيان
* الكثير من لوحاتك تبدو كأنها قصص قصيرة مرسومة فما الفرق بين كتابة القصة ورسمها؟
الكتابة والفن هي مجرد أدوات، وهناك الكثير من الأدوات طبعاً، كالموسيقى والنحت واللغة ولغة الجسد والرقص وغيرها، مجرد أدوات نحكي من خلالها التجربة الإنسانية كما نعيشها نحن وكما نراها نحن.
* تنقلت بين أكثر من بلد وقرأت أدبا بل وكتبت بأكثر من لغة فكيف وجدت ذلك البراح والتنوع وما مدى تأثيره على فهمك لجوهر الفن والإبداع وإلى أى مدى يقود هذا الانفتاح على الآخر إلى ثراء تجربة المبدع فنانا كان أم كاتبا ؟
لا فرق لدي بين الكتابة والفن، وبين الكتابة باللغة العربية والكتابة باللغة الإنجليزية، أو لنقل، لا فرق لدي بين استخدام الأحرف والمفردات واستخدام الألوان والخطوط؛ فأنا أفتح صندوق الأدوات، واختار منها ما يشدني لحظتها، وما يناسب ما أريد قوله. كلها تساعدني في التعبير عما يشغلني. وبالتالي لا تنتابني نوبات انسداد أو انغلاق، والسبب باعتقادي هو أنني لست متشبثة بأسلوب التعبير، وإنما باقتناص فرص التعبير وتدوينها.
بالتأكيد، تتأثر كلها ببعضها البعض، أراها كتدفقات المياه.. أنهار، بحار، محيطات، أمطار.. تعبر القارات، فوق الأرض وتحت الأرض، دافئة، باردة، مالحة، عذبة.. والمطلوب مني هو التنحي جابناً. أستعير مفردات فيما بينها، وأستخدمها، في رحلة البحث المستمر عن نقاط التقاطع، وإدخال عناصر المفاجأة من خلال التزاوج بين المتضادات، أو التناغمات المدهشة، وفي محاولة لاستيعاب كم هو رائع هذا التنوع في الحياة.
* ألاحظ تنوع العناصر والخامات التي تصنعين منها لوحاتك فما سر أو معيار تفضيلك لخامة على أخرى؟
أستخدم الخامات والمواد بدون عنصرية. ما يهمني هو أن تلبي الخامة اللوحة رؤيتي وتخدمها، من حيث الخطوط والألوان، وتفاعلها مع الورق أو القماش، وفكرة العمل، ومن حيث حالتي الفنية آنذاك وما أريد سرده من خلال عمل ما.
*حضور أعمالك في مصر لا باس به عكس حضورك بشخصك للمشاركة في الفعاليات المختلفة مثل الكثير من الفنانين والكتاب العرب فما تفسيرك للأمر؟
بالفعل صدرت لي مجموعتان في مصر، عن دار شرقيات هما "رائحة حب الهال" و"لحظة الخروج من الجنة"، والأخيرة امتزجت فيها الأعمال الفنية مع القصص. كما نشرت لي صحيفة "أخبار الأدب" العديد من قصصي القصيرة. ولكن حضوري في الفعاليات ككاتبة أو فنانة تشكيلية قليل بشكل عام ، ليس فقط في مصر. والسبب هو رغبة مني بالتركيز علي العمل الإبداعي ومحاولة مني لعدم تشتيت أفكاري بآرء الآخرين، سواء أكانت مديحاً عابراً أو إنتقادات عابرة. فما يهمني هو النقد الجدي، الذي أرحب به.
* تلح الكثير من لوحاتك على هموم بعينها ويحتل الجسد حضورا بارزا لاسيما جسد الأنثي فيها ،فهل فهمنا هذا صحيحا مبدئيا؟ وهل في حال صحة الفهم يجوز القول إن لوحاتك تدافع أو تبوح بهم نسائي ما بشكل ملح دون غيره؟
بالنسبة لجسد المرأة في أعمالي، الجسد يعيش تناقض كونه مقدسًا ودنساً وعاراً مخجلًا، ونحن لا زلنا مطالبين بتخبئته حتى لحظة الزواج، ثم يصبح مباحاً، هو قذر وعار، لكنه أيضاً أعز ما نملك، هو ما نمنحه لمن نحب، وهو ما يؤخذ عنوة، هو جميل قبيح مثير، ومن خلاله تصدر علينا الكثير من الأحكام، وهو الذي نتقبل منه ما يُمليه علينا المجتمع. يغضبني أن عملاً عدوانياً كإجبار المرء على التعري، كما يحصل في الحروب، وتحت الاحتلال، أو في السجون، هو أسلوب لإهانته. وأنا هنا لا أصدر أحكاماً على الخيارات الفردية، وإنما همي هو رفض استخدام الجسد، والجسد العاري تحديداً، كأسلوب للسيطرة والطغيان، وإشعار الآخر بالضعف والعار والإهانة. وقريباً سيأتي دور جسد الرجل في أعمالي، لأن هذا الأمر يعاني منه الرجل أيضاً، ولو بصورة مختلفة.
* وما هي قصة دفاترك الفنية التي قررتي من خلالها تدوين تجارب يومية وما دوافعك من اللجوء إليها كشكل فني مختلف؟
بالنسبة لـ"دفاتر الدفء"، فقد ولدت لأن لغة اللمس أقوى من لغة الكلام. هذه الدفاتر عبارة عن أعمال فنية راقية وتفاعلية، حيث على عكس معظم القطع الفنية المعهودة، فإن هذه الدفاتر تدعوك إلى تلمّسها وتقليبها بين يديك. هي دفاتر نسيجية، ابتكرتها لأنني شغوفة بالدفاتر والرحلات، والتدوين، فحبكت الخيوط، ونسجتْها بالكروشّيه، واستخدمت أساليب التطريز من مختلف الثقافات، وشكّلتْها لتبدو مرصوصة بنصوص سرية منسية. غياب الكلمات أقوى أحياناً من وجودها. دفاتر صامتة، تقرأها عن طريق اللمس، مثل البرايل.. ولكن ليس مثل البرايل تماماً، لأن حديثها يختلف حسب اليد التي تلامسها.
ولدت ككائن فضولي يمتلك أسئلة أكثر ما يمتلك إجابات
حوار / جمال فتحي
تنفتح تجربة الكاتبة والفنانة التشكيلية الفلسطينية فدوى القاسم على الهم الإنساني بكل تجلياته ؛ حيث الحرية والإبداع في معانيهما الواسعة التي تتجاوز "الصناديق" الضيقة على حد وصفها في حوارنا، فرغم انتمائها الأول لفلسطين وتنقلها للحياة والدراسة بانجلترا لتحصل على بكالوريوس الأدب الإنجليزي حتى استقر بها الحال في الخليج وإجادتها التعبير بأكثر من لغة لكنها لم تشغل نفسها أبدا بالبحث عن دائرة ضيقة تنتمي إليها أو هوية محددة تندرج تحتها ؛ فهذا السعي للدخول تحت سقف هوية ما أيا كانت لايخدم الإنسانية كما ترى فدوى، ترسم القاسم وتكتب وتتنقل بين الأدوات والعناصر غير منشغلة أبدا بنحت أسلوب محدد للتعبير الأدبي أو الفني بقدر ما يشغلها كما صرحت اقتناص فرصة التعبير ذاتها متى لاحت لها ، أصدرت فدوى العديد من الأعمال الأدبية منها: رائحة حب الهال، لحظة الخروج من الجنة ( مجموعتان قصصيتان دار شرقيات / مصر)، يوميات كائنات صغيرة ( دار جود/ سوريا) فضلا عن مجموعات فنية منها "مدن.. أفق ورحلة"، و"فوضى الجسد"، ولوحات كولاج وحبر وماء مصغرة "الأنا المعذبة"، وأعمال نسيجية "دفاتر الدفء"، ومجموعات كبيرة من الأعمال المتنوعة تقدمها في دفترها اليومي ولها أيضاالعديد من القصص القصيرة باللغتين العربية والإنجليزية، وبعض قصائد الشعر كتبتها بالإنجليزية، فضلا عن رواية واحدة أكدت لنا أنها مازلت قيد الكتابة.
*عشت بين أكثر من بلد فضلا عن انتمائك الأول وجذورك الفلسطينية ولكل وطن ثقافته وطقوسه فإلى أى الثقافات تشعرين بالقرب والانتماء أكثر؟
كتابي "لحظة الخروج من الجنة" يبدأ بهذه العبارات: "ولدت فإذا بي أنثى، فإذا بي مسلمة، فإذا بي فلسطينية، فإذا بي مغتربة، وافدة، لاجئة، أبحث عن انتماء يقبل بي".
علامات الهوية الثلاث هذه لم أخترها. وأنا هنا لا أصدر أحكاماً عليها، وإنما أضع نصب عيني أنها لم تكن من اختياري، وأنني أجدها ضيقة جداً بحيث لا تخدم ذاتها ولا تخدمني، ولا تخدم الإنسانية.
من رحم هذه المفردات تشكلت معظم أعمالي، ومعظم أيام حياتي. ومن رحم هذه المفردات ولدت ككائن فضولي، لا يمتلك الإجابات، بل الكثير من الأسئلة. وإن وجدت إجابة ما، سرعان ما ألتهمها مع قليلٍ من الملح والبهارات، وأبحث عن غيرها. هذه العبارات تؤثر على حياتي وأعمالي، وتتأثر فيها، وتدفعني لاكتشاف فضاءات أوسع لا تحرمني من انتماءات أوسع وأشمل. ومن رحم هذه المفردات تنبثق فلسفتي، التي لا زلت أعمل عليها وأطورها دوماً: "أنا فني وفنّي أنا" I Am What I Art.
* بعض المبدعين الذين يجمعون بين أكثر من فن يفضلون الانتماء للفن الأكثر تعبيرا عنهم ويعتبر بعضهم أن إبداعه في فنون أخرى أمرا هامشيا ، إلى أي اللقبين تميلين الفنانة التشكيلية أم الكاتبة؟
في المقام الأول أعتبر نفسي إحدى كائنات هذا الكون، وبصراحة سأمضي حياتي كلها في محاولة الهروب من تلك الصناديق الضيقة التي تحشرنا فيها الألقاب والمسميات، بحيث تمنعنا من التجريب والتغيير والتطوير والاجتهاد.. ومن تنقل فؤادنا حيث شئنا من الهوى، فحبي الأول والأخير هو للبحث عن مساحات أكبر من الحرية ، ومن هنا فإن انتمائي للإبداع والحرية. ولا أعتبرهما حقاً، وإنما حاجة وغريزة لا مفرّ منها، وإن يتم كبتها ذاتياً أحيان
* الكثير من لوحاتك تبدو كأنها قصص قصيرة مرسومة فما الفرق بين كتابة القصة ورسمها؟
الكتابة والفن هي مجرد أدوات، وهناك الكثير من الأدوات طبعاً، كالموسيقى والنحت واللغة ولغة الجسد والرقص وغيرها، مجرد أدوات نحكي من خلالها التجربة الإنسانية كما نعيشها نحن وكما نراها نحن.
* تنقلت بين أكثر من بلد وقرأت أدبا بل وكتبت بأكثر من لغة فكيف وجدت ذلك البراح والتنوع وما مدى تأثيره على فهمك لجوهر الفن والإبداع وإلى أى مدى يقود هذا الانفتاح على الآخر إلى ثراء تجربة المبدع فنانا كان أم كاتبا ؟
لا فرق لدي بين الكتابة والفن، وبين الكتابة باللغة العربية والكتابة باللغة الإنجليزية، أو لنقل، لا فرق لدي بين استخدام الأحرف والمفردات واستخدام الألوان والخطوط؛ فأنا أفتح صندوق الأدوات، واختار منها ما يشدني لحظتها، وما يناسب ما أريد قوله. كلها تساعدني في التعبير عما يشغلني. وبالتالي لا تنتابني نوبات انسداد أو انغلاق، والسبب باعتقادي هو أنني لست متشبثة بأسلوب التعبير، وإنما باقتناص فرص التعبير وتدوينها.
بالتأكيد، تتأثر كلها ببعضها البعض، أراها كتدفقات المياه.. أنهار، بحار، محيطات، أمطار.. تعبر القارات، فوق الأرض وتحت الأرض، دافئة، باردة، مالحة، عذبة.. والمطلوب مني هو التنحي جابناً. أستعير مفردات فيما بينها، وأستخدمها، في رحلة البحث المستمر عن نقاط التقاطع، وإدخال عناصر المفاجأة من خلال التزاوج بين المتضادات، أو التناغمات المدهشة، وفي محاولة لاستيعاب كم هو رائع هذا التنوع في الحياة.
* ألاحظ تنوع العناصر والخامات التي تصنعين منها لوحاتك فما سر أو معيار تفضيلك لخامة على أخرى؟
أستخدم الخامات والمواد بدون عنصرية. ما يهمني هو أن تلبي الخامة اللوحة رؤيتي وتخدمها، من حيث الخطوط والألوان، وتفاعلها مع الورق أو القماش، وفكرة العمل، ومن حيث حالتي الفنية آنذاك وما أريد سرده من خلال عمل ما.
*حضور أعمالك في مصر لا باس به عكس حضورك بشخصك للمشاركة في الفعاليات المختلفة مثل الكثير من الفنانين والكتاب العرب فما تفسيرك للأمر؟
بالفعل صدرت لي مجموعتان في مصر، عن دار شرقيات هما "رائحة حب الهال" و"لحظة الخروج من الجنة"، والأخيرة امتزجت فيها الأعمال الفنية مع القصص. كما نشرت لي صحيفة "أخبار الأدب" العديد من قصصي القصيرة. ولكن حضوري في الفعاليات ككاتبة أو فنانة تشكيلية قليل بشكل عام ، ليس فقط في مصر. والسبب هو رغبة مني بالتركيز علي العمل الإبداعي ومحاولة مني لعدم تشتيت أفكاري بآرء الآخرين، سواء أكانت مديحاً عابراً أو إنتقادات عابرة. فما يهمني هو النقد الجدي، الذي أرحب به.
* تلح الكثير من لوحاتك على هموم بعينها ويحتل الجسد حضورا بارزا لاسيما جسد الأنثي فيها ،فهل فهمنا هذا صحيحا مبدئيا؟ وهل في حال صحة الفهم يجوز القول إن لوحاتك تدافع أو تبوح بهم نسائي ما بشكل ملح دون غيره؟
بالنسبة لجسد المرأة في أعمالي، الجسد يعيش تناقض كونه مقدسًا ودنساً وعاراً مخجلًا، ونحن لا زلنا مطالبين بتخبئته حتى لحظة الزواج، ثم يصبح مباحاً، هو قذر وعار، لكنه أيضاً أعز ما نملك، هو ما نمنحه لمن نحب، وهو ما يؤخذ عنوة، هو جميل قبيح مثير، ومن خلاله تصدر علينا الكثير من الأحكام، وهو الذي نتقبل منه ما يُمليه علينا المجتمع. يغضبني أن عملاً عدوانياً كإجبار المرء على التعري، كما يحصل في الحروب، وتحت الاحتلال، أو في السجون، هو أسلوب لإهانته. وأنا هنا لا أصدر أحكاماً على الخيارات الفردية، وإنما همي هو رفض استخدام الجسد، والجسد العاري تحديداً، كأسلوب للسيطرة والطغيان، وإشعار الآخر بالضعف والعار والإهانة. وقريباً سيأتي دور جسد الرجل في أعمالي، لأن هذا الأمر يعاني منه الرجل أيضاً، ولو بصورة مختلفة.
* وما هي قصة دفاترك الفنية التي قررتي من خلالها تدوين تجارب يومية وما دوافعك من اللجوء إليها كشكل فني مختلف؟
بالنسبة لـ"دفاتر الدفء"، فقد ولدت لأن لغة اللمس أقوى من لغة الكلام. هذه الدفاتر عبارة عن أعمال فنية راقية وتفاعلية، حيث على عكس معظم القطع الفنية المعهودة، فإن هذه الدفاتر تدعوك إلى تلمّسها وتقليبها بين يديك. هي دفاتر نسيجية، ابتكرتها لأنني شغوفة بالدفاتر والرحلات، والتدوين، فحبكت الخيوط، ونسجتْها بالكروشّيه، واستخدمت أساليب التطريز من مختلف الثقافات، وشكّلتْها لتبدو مرصوصة بنصوص سرية منسية. غياب الكلمات أقوى أحياناً من وجودها. دفاتر صامتة، تقرأها عن طريق اللمس، مثل البرايل.. ولكن ليس مثل البرايل تماماً، لأن حديثها يختلف حسب اليد التي تلامسها.