باكورة القاصة «فدوى القاسم» حملت عنوان «رائحة حب الهال» تضمنت 13 قصة تفاوتت في حجمها ومحتواها. جاء في تعريف الكاتبة على صفحة داخلية انها «فلسطينية الأصل، كندية الجنسية، طرابلسية المولد (ليبيا 1963) درست الأدب الانجليزي ولديها ولع بالبحر والموسيقى والأدب العربي. بدأت تكتب باللغة الانجليزية في سن الرابعة عشرة، ثم جاءها الإلهام بملامح شرقية قبل نحو ستة أعوام». مع هذه الببلوغرافيا السريعة التي قدمت فدوى نفسها من خلالها تتضح آلية علاقتها مع النص اختزالاً ومع الفكرة رشاقة. ولم تنس فدوى أن تتبع التقليد العام في تصدير الكتب عبر إهداء:«إلى الذين أحببتهم وأحبوني، إلى الذين ألهموني... روحهم تسكن إلى الأبد بين سطوري» عبر مفردة معاصرة تعاملت القاصة مع النص الذي طرق ما هو معاصر في حياة الناس حيث الانترنت والكمبيوتر وغرف الدردشة والعلاقة مع الآخر عن بعد والتي تتحول إلى حميمية مفتقدة تعوض حرمان المواجهة والمصارحة، حيث يهرب معظم أبطال قصص المجموعة إلى عالم الانترنت لبناء عالم اجتماعي عاطفي يصل في سخونته إلى درجة
البوح الجنسي الكتاب: رائحة حب الهال الناشر: دار شرقيات القاهرة 2006 الصفحات: 113 صفحة من القطع الكبير انقر أدناه لتنزيل الكتاب هدية مني
|
Press Coverage - رائحة حب الهال في الإعلام“
رائــحــــة حــــب الـهـــــال” لـفـــــدوى الـقـــاســـم .. الحــــــيــاة واقــــعــــيــة ومـــفـــتـــرضــــة
(من صحيفة النهار)
بين الغُرف الزوجية وغرف الدردشة، تقابل فدوى القاسم في مجموعتها القصصية الاولى “رائحة حب الهال”، بين عالمين من طبيعتين مختلفتين. الاول محكوم بالاحتكاك الحسي اليومي والعواقب المباشرة، في حين يرتفع الثاني على منطق افتراضي يُرسي شروطاً جديدة تحدّد العلاقات بين الافراد. واذ تعلن ضمناً انحيازها الى الاول، ومن هنا ربما عنوان الكتاب الذي يقوم على حاسة لا يمكن الثاني ادراكها… (هل نضيف “بعد”؟)، تتفرّع شبكة قصصها على التكنولوجيات التي تُنتج صور العالم الافتراضي، من الانترنت في شكل خاص فالهاتف النقال والتلفزيون. تقنياتٌ تندرج تحت عنوان “وسائل الاتصال“، تتحوّل عن هدفها الاول لتصبّ في الوجهة المعاكسة تماماً، معزِّزةً القطيعة مع الواقع.
تبدو معظم القصص تنويعات لقصة واحدة حيث يطل شخص على العالم، وعلى ذاته في شكل خاص، في مواجهة الشاشة المضاءة، مخترقاً كل الحواجز، بينما يبتعد اكثر، وكل يوم، عن الآخر الجالس قربه. فعندما ندخل حيّز الافتراضي تتبدّل المعادلات، تصير المسافات قائمة على قواعد جديدة لا علاقة للحضور الجسدي فيها. فهذا بطل قصة “الضرورات تبيح المحظورات”، اقرب الى سلوى التي التقاها على الشبكة، منه الى زوجته التي تشاركه الفراش. وعندما يقترب من هذه الاخيرة، مرحلياً، لا يتحقق لقاؤهما الا عبر الانترنت حيث تنتفي كل معوقات الحياة الواقعية، والجسد بينها في شكل خاص.
في هذا العالم كذلك، تضحي العلاقات الانسانية اقل تعقيداً واكثر تحديداً، لتنحصر الصلة بالآخر، في الدور الذي اتفق الطرفان ضمنياً على احترامه. هنا، يتملكنا شعورٌ بالتفوق والتحكم، نعيد ابتكار ذاتنا وتحديد هويتنا وفق استيهامات قديمة، على غرار بطل قصة “اسمع ولا تصدق” الذي بنى لنفسه على مواقع الدردشة اكثر من شخصية واكثر من حياة. وما همّ؟ طالما تنتفي الهواجس الاخلاقية و”العواقب” بالمعنى الملموس. العواقب التي تحدد تصرفاتنا وتحدّها في الحياة الواقعية. لذا يمكنك ان تكون ما تريد، ومن تريد، وان تقول وتفعل ما تشاء وكيفما تشاء، من دون ان تكونلتصرفاتك “آثار” حقيقية. ذلك ان الآخر الذي يتلقّى تبعاتها غير موجود عملياً. لا عواقب اذاً ولا قرارات مصيرية. بل حرية تامة… واستلابٌ تام. وبين الدردشة والمواقع الجنسية نصير من دون ان ندري اسرى تقنيات محورها الذات اولاً واخيراً، فحتى الجنس هنا هو بطريقة ما “جنس من طرف واحد (…) جنس آمن… (حيث) كلٌّ في وحدته يوهم نفسه انه ليس وحيداً“.
تطرح القصص كذلك اشكاليات ذات طابع اخلاقي، تتعلق بمفاهيم كالكذب والخيانة. فهل يكفي وجود زوجة بطل قصة “اسمع ولا تصدق” قربه لكي يعفيه من الشعور بالذنب من اقامته علاقات افتراضية مع سواها؟ وهل يكفي ان تجهل بطلة قصة “الضرورات تبيح المحظورات” ان الشخص الذي تقيم معه علاقة افتراضية هو زوجها نفسه، لكي تَسقط عنها شبهة الخيانة؟، وسواها من الاسئلة التي يواجهنا بها الزمن الجديد بينما ننغرس اكثر في ذواتنا، ونبتعد مسافات ضوئية عن واقع تنقطع معه كل صلة. الا انه يكفي احياناً خطأ تقني صغير، عطل كهربائي او صدفة الكترونية، حتى نعيد اكتشاف الحياة من حولنا بدهشة طفلية ونتذكر طعم “الابحار” الحقيقي وملمس المياه والهواء والرمال على اجسادنا (قصة “بطانة من فضة“).
تنجح فدوى القاسم في معظم القصص، في وضع الاصبع على الجرح، بدقة وحساسية، وتكتفي، بحيث تبدو بعض الملاحظات اشبه بالنقد الاجتماعي الخفيف. لكن سيكون من الظلم وصف الكتاب في مجمله بالبدائي الطرح، اذ ثمة دوماً حاجة للبدء من مكان ما، والقاسم بدأت من المظاهر الاولية للحياة العصرية لتبني قصصها، او البعض منها، على نسق غير تقليدي. نراها تستسلم للعبة الكومبيوتر وتتجاوب وايقاعاته الممكننة، حيث اللغة القائمة على الاختزال وحيث الكلمة في منزلة الجملة. واذ يبدو الهمّ اللغوي في معناه العربي شبه مفقود، نلمس لدى الكاتبة التي تنتقل حديثاً الى الكتابة بالعربية، شيئاً من الاسلوب التحريري الانكليزي، فنشعر انها تكتب كما تفكر مباشرة او كما تتكلّم. لكن اللغة تخونها احياناً، كأنها اثناء الكتابة تتذكر فجأة انها تكتب بالعربية فتحاولالانصياع لمنطق لغة لم تتعوّده، فلا تنجح تماماً وتسقط في الاسترسال والجملة المتروكة على “حلّ شعرها”، فيصيبها ما اصاب أم اربع واربعين عندما سألها ضفدع يوماً كيف يمكنها التنسيق بين حركة اقدامها كلها في الوقت نفسه من دون ان تقع، وعندما فكرت بالامر لتجيبه تعثّرت ووقعت!
رغم هذه الهِنات تنجح القاسم في وضع بعض مظاهر الحياة العصرية تحت المجهر لتكتب عن عزلة الانسان المعاصر ووحدته. عن حياتنا العاطفية والجنسية والنفسية المتذبذبة بين واقع وافتراض. عن زوائد تكنولوجية باتت امتداداً لحواسنا. عن تقنيات تعيد قولبة افكارنا ورغباتنا وميولنا. لكن خصوصاً، عن حياة كلما ازدادت يقينياتها ازددنا قلقاً، وعن شاشة مضاءة كلما طالت قائمة“الاصدقاء” فيها بتنا اكثر وحدة.
سيلفانا الخوري
[email protected]
(من صحيفة النهار)
بين الغُرف الزوجية وغرف الدردشة، تقابل فدوى القاسم في مجموعتها القصصية الاولى “رائحة حب الهال”، بين عالمين من طبيعتين مختلفتين. الاول محكوم بالاحتكاك الحسي اليومي والعواقب المباشرة، في حين يرتفع الثاني على منطق افتراضي يُرسي شروطاً جديدة تحدّد العلاقات بين الافراد. واذ تعلن ضمناً انحيازها الى الاول، ومن هنا ربما عنوان الكتاب الذي يقوم على حاسة لا يمكن الثاني ادراكها… (هل نضيف “بعد”؟)، تتفرّع شبكة قصصها على التكنولوجيات التي تُنتج صور العالم الافتراضي، من الانترنت في شكل خاص فالهاتف النقال والتلفزيون. تقنياتٌ تندرج تحت عنوان “وسائل الاتصال“، تتحوّل عن هدفها الاول لتصبّ في الوجهة المعاكسة تماماً، معزِّزةً القطيعة مع الواقع.
تبدو معظم القصص تنويعات لقصة واحدة حيث يطل شخص على العالم، وعلى ذاته في شكل خاص، في مواجهة الشاشة المضاءة، مخترقاً كل الحواجز، بينما يبتعد اكثر، وكل يوم، عن الآخر الجالس قربه. فعندما ندخل حيّز الافتراضي تتبدّل المعادلات، تصير المسافات قائمة على قواعد جديدة لا علاقة للحضور الجسدي فيها. فهذا بطل قصة “الضرورات تبيح المحظورات”، اقرب الى سلوى التي التقاها على الشبكة، منه الى زوجته التي تشاركه الفراش. وعندما يقترب من هذه الاخيرة، مرحلياً، لا يتحقق لقاؤهما الا عبر الانترنت حيث تنتفي كل معوقات الحياة الواقعية، والجسد بينها في شكل خاص.
في هذا العالم كذلك، تضحي العلاقات الانسانية اقل تعقيداً واكثر تحديداً، لتنحصر الصلة بالآخر، في الدور الذي اتفق الطرفان ضمنياً على احترامه. هنا، يتملكنا شعورٌ بالتفوق والتحكم، نعيد ابتكار ذاتنا وتحديد هويتنا وفق استيهامات قديمة، على غرار بطل قصة “اسمع ولا تصدق” الذي بنى لنفسه على مواقع الدردشة اكثر من شخصية واكثر من حياة. وما همّ؟ طالما تنتفي الهواجس الاخلاقية و”العواقب” بالمعنى الملموس. العواقب التي تحدد تصرفاتنا وتحدّها في الحياة الواقعية. لذا يمكنك ان تكون ما تريد، ومن تريد، وان تقول وتفعل ما تشاء وكيفما تشاء، من دون ان تكونلتصرفاتك “آثار” حقيقية. ذلك ان الآخر الذي يتلقّى تبعاتها غير موجود عملياً. لا عواقب اذاً ولا قرارات مصيرية. بل حرية تامة… واستلابٌ تام. وبين الدردشة والمواقع الجنسية نصير من دون ان ندري اسرى تقنيات محورها الذات اولاً واخيراً، فحتى الجنس هنا هو بطريقة ما “جنس من طرف واحد (…) جنس آمن… (حيث) كلٌّ في وحدته يوهم نفسه انه ليس وحيداً“.
تطرح القصص كذلك اشكاليات ذات طابع اخلاقي، تتعلق بمفاهيم كالكذب والخيانة. فهل يكفي وجود زوجة بطل قصة “اسمع ولا تصدق” قربه لكي يعفيه من الشعور بالذنب من اقامته علاقات افتراضية مع سواها؟ وهل يكفي ان تجهل بطلة قصة “الضرورات تبيح المحظورات” ان الشخص الذي تقيم معه علاقة افتراضية هو زوجها نفسه، لكي تَسقط عنها شبهة الخيانة؟، وسواها من الاسئلة التي يواجهنا بها الزمن الجديد بينما ننغرس اكثر في ذواتنا، ونبتعد مسافات ضوئية عن واقع تنقطع معه كل صلة. الا انه يكفي احياناً خطأ تقني صغير، عطل كهربائي او صدفة الكترونية، حتى نعيد اكتشاف الحياة من حولنا بدهشة طفلية ونتذكر طعم “الابحار” الحقيقي وملمس المياه والهواء والرمال على اجسادنا (قصة “بطانة من فضة“).
تنجح فدوى القاسم في معظم القصص، في وضع الاصبع على الجرح، بدقة وحساسية، وتكتفي، بحيث تبدو بعض الملاحظات اشبه بالنقد الاجتماعي الخفيف. لكن سيكون من الظلم وصف الكتاب في مجمله بالبدائي الطرح، اذ ثمة دوماً حاجة للبدء من مكان ما، والقاسم بدأت من المظاهر الاولية للحياة العصرية لتبني قصصها، او البعض منها، على نسق غير تقليدي. نراها تستسلم للعبة الكومبيوتر وتتجاوب وايقاعاته الممكننة، حيث اللغة القائمة على الاختزال وحيث الكلمة في منزلة الجملة. واذ يبدو الهمّ اللغوي في معناه العربي شبه مفقود، نلمس لدى الكاتبة التي تنتقل حديثاً الى الكتابة بالعربية، شيئاً من الاسلوب التحريري الانكليزي، فنشعر انها تكتب كما تفكر مباشرة او كما تتكلّم. لكن اللغة تخونها احياناً، كأنها اثناء الكتابة تتذكر فجأة انها تكتب بالعربية فتحاولالانصياع لمنطق لغة لم تتعوّده، فلا تنجح تماماً وتسقط في الاسترسال والجملة المتروكة على “حلّ شعرها”، فيصيبها ما اصاب أم اربع واربعين عندما سألها ضفدع يوماً كيف يمكنها التنسيق بين حركة اقدامها كلها في الوقت نفسه من دون ان تقع، وعندما فكرت بالامر لتجيبه تعثّرت ووقعت!
رغم هذه الهِنات تنجح القاسم في وضع بعض مظاهر الحياة العصرية تحت المجهر لتكتب عن عزلة الانسان المعاصر ووحدته. عن حياتنا العاطفية والجنسية والنفسية المتذبذبة بين واقع وافتراض. عن زوائد تكنولوجية باتت امتداداً لحواسنا. عن تقنيات تعيد قولبة افكارنا ورغباتنا وميولنا. لكن خصوصاً، عن حياة كلما ازدادت يقينياتها ازددنا قلقاً، وعن شاشة مضاءة كلما طالت قائمة“الاصدقاء” فيها بتنا اكثر وحدة.
سيلفانا الخوري
[email protected]
فدوى القاسم تجذبها أسرار الحياة العصرية
سلمان زين الدين
صحيفة الحياة - 14/04/06
الحياة العصرية بتعقيداتها وإفرازاتها، وما تنتجه من أنواع العلاقات وأنماط العيش، هي العالم المرجعي الذي تغرف منه وتحيل اليه «رائحة حب الهال»، (دار شرقيات – القاهرة – 2006) المجموعة القصصية الأولى للقاصة الفلسطينية الأصل فدوى القاسم. فالكومبيوتر والانترنت والهاتف النقال شخصيات مجازية في المجموعة تتم بواسطتها العلاقات الجديدة بين الناس، والمكتب والمقهى والمطعم أماكن قصصية تدور فيها الاحداث. وبهذا المعنى يمكن القول ان المضمون القصصي في المجموعة هو مضمون عصري يلبس شكلاً قصصياً يتفاوت في حداثته وعصريته بين قصة وأخرى.
على ان عصرية المضمون او الشكل لا تشكل بالضرورة قيمة ايجابية، بل قد تكون العصرية سبباً في الاحساس بالضيق والفراغ والقلق وعدم الاستقرار. وكثيراً ما يدفع الناس ثمن هذه الحياة من اعصابهم وراحتهم واستقرارهم.
في القصص الست الاولى من المجموعة أي ما يقارب نصف عدد قصصها البالغ ثلاث عشرة قصة يشكل الانترنت شخصية مجازية تتمحور حولها العلاقات وتتم بواسطتها الدردشة. والمفارقة ان هذا الاختراع العصري الذي يفترض أنه وسيلة تواصل لم يفلح في بناء أو ترميم العلاقات بين الطرفين المتواصلين بل زادها تعقيداً وتصدعاً. وعليه، فالمجموعة تتخذ مداورة موقفاً سلبياً من الانترنت. وكل قصة من القصص الست تتخذ هذا الموقف على طريقتها. ففي الأولى لم يتحقق اللقاء بين طرفي الدردشة على رغم انه كان متاحاً. وفي الثانية لم تفلح الدردشة في اعادة العلاقة بين الزوجين الى حرارتها. وفي الثالثة يتعمد البطل الكذب وانتحال الشخصيات ليدغدغ غروره. وفي الرابعة ثمة استحالة لاستمرار العلاقة التي بدأت عبر الانترنت. وفي الخامسة تستلب الآلة الانسان وتقلب حياته رأساً على عقب. وفي القصة السادسة تؤثر البطلة الابحار الحقيقي حيث تولد من جديد على «الإبحار» في الانترنت.
وبالانتقال من التعميم الى التفصيل، فإن يوسف في قصة «دنياك ما أنت فيه» شاب خجول ومنطو على نفسه يدفعه شعوره بالوحدة الى ارتياد مقهى الانترنت والتواصل مع منى ما يحدث تحولاً في حياته ينقله من وحدته وواقعه الرئيس الى عالم آخر لا يطيق الابتعاد عنه، واذا الوحدة التي هرب منها تطارده من جديد حين ينقطع عن الدردشة، غير ان المفاجأة الكبرى تكون في نهاية القصة حين تكتشف منى بعد فوات الاوان ان يوسف الذي تدردش معه، ويتوقان الى اللقاء من دون معرفة السبيل اليه، كان في المقهى نفسه قبل قليل. وهكذا تقول القصة المفارقات التي تقوم عليها الحياة العصرية. فرواد المقهى الذين يتواجدون في مكان واحد لا يتواصلون، وكل منهم غارق في شاشته على رغم وحدة المكان والزمان، والبعيدون بعضهم عن بعض مكاناً وزماناً يتواصلون عبر الانترنت.وفي «الضرورات تبيح المحظورات»، تدفع برودة الزوجة الجميلة الزوج الى ولوج عالم الانترنت والتجول بين المواقع الإباحية، ويدفع الفراغ والهجر الزوجة الى ولوج العالم نفسه. وتشاء الصدفة القصصية المحبوكة ان يلتقي الاثنان في الدردشة حيث يتحللان من الحواجز التي في الواقع، ويتساران بمعاناتهما وهواجسهما. واذ يعرف هو ان الاخرى هي زوجته يروح يستخدم الانترنت ليوحي لها بما ينبغي ان تفعله لارضاء شريكها أي هو، غير ان هذه المحاولة تفشل في اعادة الحرارة بينهما لا سيما في ظل شعوره في قرارة نفسه انها تخونه ولو بالدردشة، فيهرب الى اخرى عبر الوسيلة نفسها فتشكل إناءً كبيراً من التفهم.وفي هاتين القصتين ثمة صدفة تبدو محبوكة إن لم نقل مصطنعة تجعل الشريكين في الأولى في مكان واحد من دون ان يعرفا ذلك، والزوجين في الثانية يدردشان معاً من دون ان يعرفا ذلك.
وفي «أرق من رقراق السراب» تتخذ العلاقة التي نشأت قبل ستة اشهر عبر الانترنت مساراً تنازلياً، فيبدأ اللقاء الاول حاراً حميماً، وتبرد العلاقة شيئاً فشيئاً حتى الانقطاع، فالقصة تقول استحالة استمرار علاقة تبنى من وراء الشاشة ولا تبنى في وضح النهار، فالواقع غير الدردشة. بينما تقول «لا عين تقشع ولا قلب يحزن» انتهاك الانترنت خصوصية الفرد واستلاب الآلة الانسان ما يفقده سعادته وهناءه. فيما تقارن «بطانة من فضة» بين «الإبحار» في الانترنت والإبحار الحقيقي حيث تولد البطلة من جديد، وتقول الانحياز الى الطبيعة على حساب العالم الغريب المصطنع.
وليس الانترنت هو الاختراع العصري الوحيد الذي يترك تداعياته السلبية على حياة الناس. فالهاتف النقال له دوره على هذا الصعيد حيث تحوّل من كونه وسيلة تواصل الى وسيلة انقطاع في العلاقة بين الطرفين، حين لا يكون احدهما على السمع في الوقت المناسب أو حين ينشغل عن الاتصال، كما في «هي من كوكب الزهرة… وهو ولا هدف». وهكذا، تكون الآلة سلاحاً ذا حدين، قد تجمع وقد تفرّق تبعاً لطريقة استعمالها وتوقيته. فالعيب في الانسان الذي يستعمل الآلة وليس في الآلة. ينطبق هذا الكلام على الانترنت بقدر ما ينطبق على الهاتف النقال. والدليل على ذلك ان الهاتف النقال استطاع ان يعيد الحرارة الى علاقة الزوجين في قصة «رائحة حب الهال»، فيعيش الزوج رجولته، وتعيش الزوجة أنوثتها، هو بإسقاط أحلامه مع مغامرات صديقه الخيالية التي تأتيه عبر الهاتف، وهي بغيرتها جراء تلك المكالمات المطولة التي يستلمها الزوج، فتحققت غاية مشروعة وإن بوسيلة غير مشروعة.
اذا كانت فدوى القاسم تمتح معظم قصصها من معين واحد، هو الحياة العصرية، فإنها لم تعتمد شكلاً فنياً واحداً للتعبير. فتختلف ضمائر القص من قصة الى اخرى وإن كان ضمير الغائب هو الحاضر الاكبر في المجموعة، والقصة عندها تتنامى احداثها حتى تشارف على النهاية فتحدث انعطافة في مجرى الاحداث وتفاجئ بنهاية غير متوقعة. وقد تكون القصة مجموعة خواطر وتداعيات تتخذ مساراً أفقياً، وقد تكون مجموعة حالات ومشاهد متعاقبة لشخصين مختلفين ينتج عن تعاقبهما تكوين المشهد القصصي المتكامل…
وهكذا، وبهذا الخطاب القصصي المتنوّع قصت فدوى القاسم تنويعات على حكاية واحدة تقريباً، وأنتجت تجربة قصصية اولى جديرة بالاهتمام، ولم يشبها سوى أخطاء نحوية تناثرت في بعض القصص.
سلمان زين الدين
صحيفة الحياة - 14/04/06
الحياة العصرية بتعقيداتها وإفرازاتها، وما تنتجه من أنواع العلاقات وأنماط العيش، هي العالم المرجعي الذي تغرف منه وتحيل اليه «رائحة حب الهال»، (دار شرقيات – القاهرة – 2006) المجموعة القصصية الأولى للقاصة الفلسطينية الأصل فدوى القاسم. فالكومبيوتر والانترنت والهاتف النقال شخصيات مجازية في المجموعة تتم بواسطتها العلاقات الجديدة بين الناس، والمكتب والمقهى والمطعم أماكن قصصية تدور فيها الاحداث. وبهذا المعنى يمكن القول ان المضمون القصصي في المجموعة هو مضمون عصري يلبس شكلاً قصصياً يتفاوت في حداثته وعصريته بين قصة وأخرى.
على ان عصرية المضمون او الشكل لا تشكل بالضرورة قيمة ايجابية، بل قد تكون العصرية سبباً في الاحساس بالضيق والفراغ والقلق وعدم الاستقرار. وكثيراً ما يدفع الناس ثمن هذه الحياة من اعصابهم وراحتهم واستقرارهم.
في القصص الست الاولى من المجموعة أي ما يقارب نصف عدد قصصها البالغ ثلاث عشرة قصة يشكل الانترنت شخصية مجازية تتمحور حولها العلاقات وتتم بواسطتها الدردشة. والمفارقة ان هذا الاختراع العصري الذي يفترض أنه وسيلة تواصل لم يفلح في بناء أو ترميم العلاقات بين الطرفين المتواصلين بل زادها تعقيداً وتصدعاً. وعليه، فالمجموعة تتخذ مداورة موقفاً سلبياً من الانترنت. وكل قصة من القصص الست تتخذ هذا الموقف على طريقتها. ففي الأولى لم يتحقق اللقاء بين طرفي الدردشة على رغم انه كان متاحاً. وفي الثانية لم تفلح الدردشة في اعادة العلاقة بين الزوجين الى حرارتها. وفي الثالثة يتعمد البطل الكذب وانتحال الشخصيات ليدغدغ غروره. وفي الرابعة ثمة استحالة لاستمرار العلاقة التي بدأت عبر الانترنت. وفي الخامسة تستلب الآلة الانسان وتقلب حياته رأساً على عقب. وفي القصة السادسة تؤثر البطلة الابحار الحقيقي حيث تولد من جديد على «الإبحار» في الانترنت.
وبالانتقال من التعميم الى التفصيل، فإن يوسف في قصة «دنياك ما أنت فيه» شاب خجول ومنطو على نفسه يدفعه شعوره بالوحدة الى ارتياد مقهى الانترنت والتواصل مع منى ما يحدث تحولاً في حياته ينقله من وحدته وواقعه الرئيس الى عالم آخر لا يطيق الابتعاد عنه، واذا الوحدة التي هرب منها تطارده من جديد حين ينقطع عن الدردشة، غير ان المفاجأة الكبرى تكون في نهاية القصة حين تكتشف منى بعد فوات الاوان ان يوسف الذي تدردش معه، ويتوقان الى اللقاء من دون معرفة السبيل اليه، كان في المقهى نفسه قبل قليل. وهكذا تقول القصة المفارقات التي تقوم عليها الحياة العصرية. فرواد المقهى الذين يتواجدون في مكان واحد لا يتواصلون، وكل منهم غارق في شاشته على رغم وحدة المكان والزمان، والبعيدون بعضهم عن بعض مكاناً وزماناً يتواصلون عبر الانترنت.وفي «الضرورات تبيح المحظورات»، تدفع برودة الزوجة الجميلة الزوج الى ولوج عالم الانترنت والتجول بين المواقع الإباحية، ويدفع الفراغ والهجر الزوجة الى ولوج العالم نفسه. وتشاء الصدفة القصصية المحبوكة ان يلتقي الاثنان في الدردشة حيث يتحللان من الحواجز التي في الواقع، ويتساران بمعاناتهما وهواجسهما. واذ يعرف هو ان الاخرى هي زوجته يروح يستخدم الانترنت ليوحي لها بما ينبغي ان تفعله لارضاء شريكها أي هو، غير ان هذه المحاولة تفشل في اعادة الحرارة بينهما لا سيما في ظل شعوره في قرارة نفسه انها تخونه ولو بالدردشة، فيهرب الى اخرى عبر الوسيلة نفسها فتشكل إناءً كبيراً من التفهم.وفي هاتين القصتين ثمة صدفة تبدو محبوكة إن لم نقل مصطنعة تجعل الشريكين في الأولى في مكان واحد من دون ان يعرفا ذلك، والزوجين في الثانية يدردشان معاً من دون ان يعرفا ذلك.
وفي «أرق من رقراق السراب» تتخذ العلاقة التي نشأت قبل ستة اشهر عبر الانترنت مساراً تنازلياً، فيبدأ اللقاء الاول حاراً حميماً، وتبرد العلاقة شيئاً فشيئاً حتى الانقطاع، فالقصة تقول استحالة استمرار علاقة تبنى من وراء الشاشة ولا تبنى في وضح النهار، فالواقع غير الدردشة. بينما تقول «لا عين تقشع ولا قلب يحزن» انتهاك الانترنت خصوصية الفرد واستلاب الآلة الانسان ما يفقده سعادته وهناءه. فيما تقارن «بطانة من فضة» بين «الإبحار» في الانترنت والإبحار الحقيقي حيث تولد البطلة من جديد، وتقول الانحياز الى الطبيعة على حساب العالم الغريب المصطنع.
وليس الانترنت هو الاختراع العصري الوحيد الذي يترك تداعياته السلبية على حياة الناس. فالهاتف النقال له دوره على هذا الصعيد حيث تحوّل من كونه وسيلة تواصل الى وسيلة انقطاع في العلاقة بين الطرفين، حين لا يكون احدهما على السمع في الوقت المناسب أو حين ينشغل عن الاتصال، كما في «هي من كوكب الزهرة… وهو ولا هدف». وهكذا، تكون الآلة سلاحاً ذا حدين، قد تجمع وقد تفرّق تبعاً لطريقة استعمالها وتوقيته. فالعيب في الانسان الذي يستعمل الآلة وليس في الآلة. ينطبق هذا الكلام على الانترنت بقدر ما ينطبق على الهاتف النقال. والدليل على ذلك ان الهاتف النقال استطاع ان يعيد الحرارة الى علاقة الزوجين في قصة «رائحة حب الهال»، فيعيش الزوج رجولته، وتعيش الزوجة أنوثتها، هو بإسقاط أحلامه مع مغامرات صديقه الخيالية التي تأتيه عبر الهاتف، وهي بغيرتها جراء تلك المكالمات المطولة التي يستلمها الزوج، فتحققت غاية مشروعة وإن بوسيلة غير مشروعة.
اذا كانت فدوى القاسم تمتح معظم قصصها من معين واحد، هو الحياة العصرية، فإنها لم تعتمد شكلاً فنياً واحداً للتعبير. فتختلف ضمائر القص من قصة الى اخرى وإن كان ضمير الغائب هو الحاضر الاكبر في المجموعة، والقصة عندها تتنامى احداثها حتى تشارف على النهاية فتحدث انعطافة في مجرى الاحداث وتفاجئ بنهاية غير متوقعة. وقد تكون القصة مجموعة خواطر وتداعيات تتخذ مساراً أفقياً، وقد تكون مجموعة حالات ومشاهد متعاقبة لشخصين مختلفين ينتج عن تعاقبهما تكوين المشهد القصصي المتكامل…
وهكذا، وبهذا الخطاب القصصي المتنوّع قصت فدوى القاسم تنويعات على حكاية واحدة تقريباً، وأنتجت تجربة قصصية اولى جديرة بالاهتمام، ولم يشبها سوى أخطاء نحوية تناثرت في بعض القصص.
Fadwa Qassem (Nouvelle)
Jalel El Gharbi – http://www.babelmed.net/
Une odeur de cardamome
Palestinienne d’origine, libyenne de naissance, Fadwa Qassem est de nationalité canadienne. Elle est réfugiée par hérédité et tzigane par affinité. Elle publie au Caire un recueil de nouvelles dont la lecture est un pur bonheur. Ce sont des nouvelles qui se déroulent à notre époque (on y retrouve les objets de nos jours : l’ordinateur et le portable) dans un espace urbain qui pourrait être celui d’une banlieue de Londres, de Jéricho ou de Dubaï. Si l’espace est indifférent, l’être est toujours le même : une somme de rêves impartageables et de désirs voués à la déception. Autant de modalités de l’absurde qui, sous la plume de Fadwa Qassem, se traduit par des situations cocasses : c’est la femme trompant son mari avec lui-même, c’est le mari trompant sa femme sans vergogne avec elle-même (cela est rendu possible grâce au chat). Ils se rencontrent sur le Net, se séparent dans la vie. Ils finissent par plagier la vie. C’est un univers où les personnages vivent une solitude irrémédiable. Ils sont mus par un désir de rencontre. Et, grâce à Internet, ils ont l’impression d’y parvenir. Il leur arrive souvent de mentir, c’est-à-dire d’introduire la fiction dans la vie. Et l’outil de la mystification dans laquelle ils se trouvent embarqués est l’ordinateur c’est-à-dire cet objet tant décrié et qui est, à bien y réfléchir, si poétique : grâce à lui les anciennes dichotomies distance/proximité, réalité/virtualité, ici/ailleurs se trouvent mises à mal. C’est cette annihilation des dichotomies qu’illustre l’œuvre de Fadwa Qassem. On peut relever dans ce recueil de nouvelles une idée sous-jacente selon laquelle le monde virtuel qu’offre internet est d’essence romanesque. L’être y est réduit à une représentation des sensations, à une représentation de l’autre. L’être réduit à son image (réduit ou hissé). Il y a chez les personnages de Fadwa Qassem comme une inaptitude au bonheur. Ils sont pris dans un processus qu’ils croient maîtriser alors que c’est une force occulte, aveugle qui les mène immanquablement vers le désastre, vers la déroute, c’est-à-dire vers leur fatalité. Pensant échapper à leur condition, ils s’enfoncent dans une destinée qui les confine dans le silence. A lire. Raïhat hab al hal (Une odeur de Cardomome) dar charquiyet, le caire
Jalel El Gharbi – http://www.babelmed.net/
Une odeur de cardamome
Palestinienne d’origine, libyenne de naissance, Fadwa Qassem est de nationalité canadienne. Elle est réfugiée par hérédité et tzigane par affinité. Elle publie au Caire un recueil de nouvelles dont la lecture est un pur bonheur. Ce sont des nouvelles qui se déroulent à notre époque (on y retrouve les objets de nos jours : l’ordinateur et le portable) dans un espace urbain qui pourrait être celui d’une banlieue de Londres, de Jéricho ou de Dubaï. Si l’espace est indifférent, l’être est toujours le même : une somme de rêves impartageables et de désirs voués à la déception. Autant de modalités de l’absurde qui, sous la plume de Fadwa Qassem, se traduit par des situations cocasses : c’est la femme trompant son mari avec lui-même, c’est le mari trompant sa femme sans vergogne avec elle-même (cela est rendu possible grâce au chat). Ils se rencontrent sur le Net, se séparent dans la vie. Ils finissent par plagier la vie. C’est un univers où les personnages vivent une solitude irrémédiable. Ils sont mus par un désir de rencontre. Et, grâce à Internet, ils ont l’impression d’y parvenir. Il leur arrive souvent de mentir, c’est-à-dire d’introduire la fiction dans la vie. Et l’outil de la mystification dans laquelle ils se trouvent embarqués est l’ordinateur c’est-à-dire cet objet tant décrié et qui est, à bien y réfléchir, si poétique : grâce à lui les anciennes dichotomies distance/proximité, réalité/virtualité, ici/ailleurs se trouvent mises à mal. C’est cette annihilation des dichotomies qu’illustre l’œuvre de Fadwa Qassem. On peut relever dans ce recueil de nouvelles une idée sous-jacente selon laquelle le monde virtuel qu’offre internet est d’essence romanesque. L’être y est réduit à une représentation des sensations, à une représentation de l’autre. L’être réduit à son image (réduit ou hissé). Il y a chez les personnages de Fadwa Qassem comme une inaptitude au bonheur. Ils sont pris dans un processus qu’ils croient maîtriser alors que c’est une force occulte, aveugle qui les mène immanquablement vers le désastre, vers la déroute, c’est-à-dire vers leur fatalité. Pensant échapper à leur condition, ils s’enfoncent dans une destinée qui les confine dans le silence. A lire. Raïhat hab al hal (Une odeur de Cardomome) dar charquiyet, le caire
صحيفة البيان
صدر حديثاً رائحة حب الهال تأليف: فدوى القاسم
باكورة القاصة «فدوى القاسم» حملت عنوان «رائحة حب الهال» تضمنت 13 قصة تفاوتت في حجمها ومحتواها. جاء في تعريف الكاتبة على صفحة داخلية انها «فلسطينية الأصل، كندية الجنسية، طرابلسية المولد (ليبيا 1963) درست الأدب الانجليزي ولديها ولع بالبحر والموسيقى والأدب العربي. بدأت تكتب باللغة الانجليزية في سن الرابعة عشرة. ثم جاءها الإلهام بملامح شرقية قبل نحو ستة أعوام». مع هذه الببلوغرافيا السريعة التي قدمت فدوى نفسها من خلالها تتضح آلية علاقتها مع النص اختزالاً ومع الفكرة رشاقة. ولم تنس فدوى أن تتبع التقليد العام في تصدير الكتب عبر إهداء:«إلى الذين أحببتهم وأحبوني، إلى الذين ألهموني… روحهم تسكن إلى الأبد بين سطوري».
عبر مفردة معاصرة تعاملت القاصة مع النص الذي طرق ما هو معاصر في حياة الناس حيث الانترنت والكمبيوتر وغرف الدردشة والعلاقة مع الآخر عن بعد والتي تتحول إلى حميمية مفتقدة تعوض حرمان المواجهة والمصارحة، حيث يهرب معظم أبطال قصص المجموعة إلى عالم الانترنت لبناء عالم اجتماعي عاطفي يصل في سخونته إلى درجة البوح الجنسي.
من أجواء المجموعة نختار: «كان يسمع عنه.. لكنه لم يكن يؤمن به.. التعارف عبر الكمبيوتر. أي عالم أحمق ذلك الذي يسمونه الانترنت؟! كان يرفضه تماماً، رغم أن أصدقاءه يتحدثون بمتعة واندفاع عن برامج الدردشة، وعن الفتيات اللواتي يلتقون بهن. أما اليوم.. واليوم بالتحديد.. فهو يشعر بوحدة شديدة، وحدة مؤلمة، وشوق قاتل لسماع حديث أنثوي دافئ. يدفعه الشوق لحنان امرأة، إلى خوض مغامرة.. إلى الخروج عن النص الممل في حياته الرتيبة.
صدر حديثاً رائحة حب الهال تأليف: فدوى القاسم
باكورة القاصة «فدوى القاسم» حملت عنوان «رائحة حب الهال» تضمنت 13 قصة تفاوتت في حجمها ومحتواها. جاء في تعريف الكاتبة على صفحة داخلية انها «فلسطينية الأصل، كندية الجنسية، طرابلسية المولد (ليبيا 1963) درست الأدب الانجليزي ولديها ولع بالبحر والموسيقى والأدب العربي. بدأت تكتب باللغة الانجليزية في سن الرابعة عشرة. ثم جاءها الإلهام بملامح شرقية قبل نحو ستة أعوام». مع هذه الببلوغرافيا السريعة التي قدمت فدوى نفسها من خلالها تتضح آلية علاقتها مع النص اختزالاً ومع الفكرة رشاقة. ولم تنس فدوى أن تتبع التقليد العام في تصدير الكتب عبر إهداء:«إلى الذين أحببتهم وأحبوني، إلى الذين ألهموني… روحهم تسكن إلى الأبد بين سطوري».
عبر مفردة معاصرة تعاملت القاصة مع النص الذي طرق ما هو معاصر في حياة الناس حيث الانترنت والكمبيوتر وغرف الدردشة والعلاقة مع الآخر عن بعد والتي تتحول إلى حميمية مفتقدة تعوض حرمان المواجهة والمصارحة، حيث يهرب معظم أبطال قصص المجموعة إلى عالم الانترنت لبناء عالم اجتماعي عاطفي يصل في سخونته إلى درجة البوح الجنسي.
من أجواء المجموعة نختار: «كان يسمع عنه.. لكنه لم يكن يؤمن به.. التعارف عبر الكمبيوتر. أي عالم أحمق ذلك الذي يسمونه الانترنت؟! كان يرفضه تماماً، رغم أن أصدقاءه يتحدثون بمتعة واندفاع عن برامج الدردشة، وعن الفتيات اللواتي يلتقون بهن. أما اليوم.. واليوم بالتحديد.. فهو يشعر بوحدة شديدة، وحدة مؤلمة، وشوق قاتل لسماع حديث أنثوي دافئ. يدفعه الشوق لحنان امرأة، إلى خوض مغامرة.. إلى الخروج عن النص الممل في حياته الرتيبة.
|
Artworks |
Buy |
(c) Copyright Fadwa Al Qasem 2024